ادعاء الأخوة
لبنى شرف - الأردن
أحبك في الله.. أخي في الله.. أختي في الله، ليست شعارات، ولا كلمات جوفاء تقال بطرف اللسان والشفاة، وليست مودة عابرة تنتهي بانتهاء اللقاء أو انتفاء المصالح، وإنما هي مشاعر ندية لو أنها خرجت من قلب صادق يعرف حقها.
قالتها لي إحداهن زاعمة أني أختها في الله، فكنت أسأل عنها وعن أحوالها، وأطمئن عليها بين الفينة والأخرى، وأما هي فكانت تتعذر بكثرة المشاغل، مع أن الأمر لا يحتاج سوى بضع دقائق، تؤدي فيها أبسط حقوق الأخوة.
أنا ما كنت أنزعج في بادئ الأمر، وكنت أعذرها، ولكني أريد هنا أن أقف وقفة عند هؤلاء الذين ليس لديهم حجة إلا قول: "أنا مشغول، وليس لدي وقت"، الأمر ليس أمر انشغال، فكلنا لديه ما يشغله، والمرء يعذر غيره لكثرة مشاغله، كما يحب أن يعذره غيره، ولكن أن يكون هذا الانشغال هو ديدن المرء، ويتخذه ذريعة للتقصير والتنكر للحقوق أو تناسيها، فهذا إنما يدل على عدم فقه في الحقوق والواجبات، وعدم إدراك الأولويات في سلم المهام، ، وعدم وجود الأمر في دائرة الاهتمام، فالذي لا يهتم بشيء لا يشغل باله به.
أعود إلى تلك الأخت وأقول: على الرغم من تقصيرها، إلا أني بقيت أسأل عنها وعن أخبارها. وفي مرة من المرات أخبرتني أنها منشغلة بدورة في التنمية البشرية، وزعمت أنه حري بكل من يعمل في حقل الدعوة أن يأخذ مثل هذه الدورات، ثم بقيت على عهدها، دون سؤال أو تفقد أحوال.
بعد مدة، وجدت في نفسي عليها، وخطر لي أن أسألها: ألم تتعلموا في هذه التنمية البشرية أن تراعوا حقوق الأخوة؟
يا ليتنا بدلاً من هذه التنمية البشرية المستوردة، نُزيل الغبار عن شيء اسمه "تنمية إنسانية"، عرفها أجدادنا، وعاشوها سلوكاً عملياً، فضربوا أروع الأمثال في شتى ميادين الحياة، وتركوا أعمق الآثار، وذكرهم باقٍ على مر الأزمان.
والذي جعلني أجد في نفسي عليها أكثر وأكثر، أنها ألمت بي شدة، فاحتجت أن أسألها، علني أجد عندها حلاً، ولكني لم أجد. وبعد بضعة أيام، توقعت أن تسأل وتطمئن ماذا جرى معي، ولكن شيئاً من هذا لم يكن!
ثم مرت أيام، وشهور، وهي لا تسأل، فقلت: لا خير في أخوة كهذه؛ لا تراعى فيها حقوق، ولا تؤدى معها واجبات، ولا تجبر فيها خواطر، فالأخوة ليست ادعاء، وإنما هي قلب معطاء، ودعوة في الغيب تخترق السماء، وحب في الله يسع الفضاء، وفي الشدائد ينكشف زيف الأخوة ويتبين معدن الناس.
جزى اللهُ الشدائدَ كل خيرٍ *** وإنْ جرَّعتني غُصَصاً بِريقي
وما مدحي لها حباً ولكن *** عرفتُ بها عدوي من صديقي
وصف أحد الصالحين عزيزاً له، فقال: “مجالسته غنيمة، وصحبته سليمة، ومؤاخاته كريمة، كالمسك؛ إن طال به الزمن زاد ثمنه”.
وكان عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- يقول لأخوانه: “أنتم جلاء قلبي”.
وقيل لابن السّماك: “أي الإخوان أحق ببقاء المودة؟ قال: الوافر دينُه، الوافي عقله، الذي لا يَمَلَّكَ على القُرب، ولا ينساك على البعد، إن دنوْتَ منه داناك، وإن بعدت عنه راعاك، وإن استعنت به عضدك، وإن احتجت إليه رفدَك، وتكون مودة فعله أكثرَ من مودة قوله”.
أخ إن نأت دارُ به أو تنازحـت *** فما الوُد منه والإخاء بنـازحِ
يبرُّك إن يشهد ويرعاك إن يغب *** وتأمن منه مضمرات الجوانحِ
مدعو الأخوة كثير، ولكن من يؤدي حقها قليل، وما يزدادون إلا قلة، ورحم الله شيخنا د.مصطفى السباعي لمّا قال: “لا يحزنك ما ترى من تنكُّر أكثر الناس للقيم العليا، وأكثر الأصدقاء لحقوق الأخوة، وأكثر الدعاة لواجبات الداعية، وأكثر المتدينين لآداب الدين، وأكثر الواعظين لإخلاص النية، ...لا يحزنك هذا وأشباهه، فتلك هي الحياة، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات”.
لبنى شرف - الأردن
أحبك في الله.. أخي في الله.. أختي في الله، ليست شعارات، ولا كلمات جوفاء تقال بطرف اللسان والشفاة، وليست مودة عابرة تنتهي بانتهاء اللقاء أو انتفاء المصالح، وإنما هي مشاعر ندية لو أنها خرجت من قلب صادق يعرف حقها.
قالتها لي إحداهن زاعمة أني أختها في الله، فكنت أسأل عنها وعن أحوالها، وأطمئن عليها بين الفينة والأخرى، وأما هي فكانت تتعذر بكثرة المشاغل، مع أن الأمر لا يحتاج سوى بضع دقائق، تؤدي فيها أبسط حقوق الأخوة.
أنا ما كنت أنزعج في بادئ الأمر، وكنت أعذرها، ولكني أريد هنا أن أقف وقفة عند هؤلاء الذين ليس لديهم حجة إلا قول: "أنا مشغول، وليس لدي وقت"، الأمر ليس أمر انشغال، فكلنا لديه ما يشغله، والمرء يعذر غيره لكثرة مشاغله، كما يحب أن يعذره غيره، ولكن أن يكون هذا الانشغال هو ديدن المرء، ويتخذه ذريعة للتقصير والتنكر للحقوق أو تناسيها، فهذا إنما يدل على عدم فقه في الحقوق والواجبات، وعدم إدراك الأولويات في سلم المهام، ، وعدم وجود الأمر في دائرة الاهتمام، فالذي لا يهتم بشيء لا يشغل باله به.
أعود إلى تلك الأخت وأقول: على الرغم من تقصيرها، إلا أني بقيت أسأل عنها وعن أخبارها. وفي مرة من المرات أخبرتني أنها منشغلة بدورة في التنمية البشرية، وزعمت أنه حري بكل من يعمل في حقل الدعوة أن يأخذ مثل هذه الدورات، ثم بقيت على عهدها، دون سؤال أو تفقد أحوال.
بعد مدة، وجدت في نفسي عليها، وخطر لي أن أسألها: ألم تتعلموا في هذه التنمية البشرية أن تراعوا حقوق الأخوة؟
يا ليتنا بدلاً من هذه التنمية البشرية المستوردة، نُزيل الغبار عن شيء اسمه "تنمية إنسانية"، عرفها أجدادنا، وعاشوها سلوكاً عملياً، فضربوا أروع الأمثال في شتى ميادين الحياة، وتركوا أعمق الآثار، وذكرهم باقٍ على مر الأزمان.
والذي جعلني أجد في نفسي عليها أكثر وأكثر، أنها ألمت بي شدة، فاحتجت أن أسألها، علني أجد عندها حلاً، ولكني لم أجد. وبعد بضعة أيام، توقعت أن تسأل وتطمئن ماذا جرى معي، ولكن شيئاً من هذا لم يكن!
ثم مرت أيام، وشهور، وهي لا تسأل، فقلت: لا خير في أخوة كهذه؛ لا تراعى فيها حقوق، ولا تؤدى معها واجبات، ولا تجبر فيها خواطر، فالأخوة ليست ادعاء، وإنما هي قلب معطاء، ودعوة في الغيب تخترق السماء، وحب في الله يسع الفضاء، وفي الشدائد ينكشف زيف الأخوة ويتبين معدن الناس.
جزى اللهُ الشدائدَ كل خيرٍ *** وإنْ جرَّعتني غُصَصاً بِريقي
وما مدحي لها حباً ولكن *** عرفتُ بها عدوي من صديقي
وصف أحد الصالحين عزيزاً له، فقال: “مجالسته غنيمة، وصحبته سليمة، ومؤاخاته كريمة، كالمسك؛ إن طال به الزمن زاد ثمنه”.
وكان عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- يقول لأخوانه: “أنتم جلاء قلبي”.
وقيل لابن السّماك: “أي الإخوان أحق ببقاء المودة؟ قال: الوافر دينُه، الوافي عقله، الذي لا يَمَلَّكَ على القُرب، ولا ينساك على البعد، إن دنوْتَ منه داناك، وإن بعدت عنه راعاك، وإن استعنت به عضدك، وإن احتجت إليه رفدَك، وتكون مودة فعله أكثرَ من مودة قوله”.
أخ إن نأت دارُ به أو تنازحـت *** فما الوُد منه والإخاء بنـازحِ
يبرُّك إن يشهد ويرعاك إن يغب *** وتأمن منه مضمرات الجوانحِ
مدعو الأخوة كثير، ولكن من يؤدي حقها قليل، وما يزدادون إلا قلة، ورحم الله شيخنا د.مصطفى السباعي لمّا قال: “لا يحزنك ما ترى من تنكُّر أكثر الناس للقيم العليا، وأكثر الأصدقاء لحقوق الأخوة، وأكثر الدعاة لواجبات الداعية، وأكثر المتدينين لآداب الدين، وأكثر الواعظين لإخلاص النية، ...لا يحزنك هذا وأشباهه، فتلك هي الحياة، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات”.