اقتفاء.. وأثر
قال الدكتور العودة: لقد خطر في بالي وأنا أتأمل في القرآن الكريم أن الله -سبحانه وتعالى- ذكر عن الكفار قوله: (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ) (الصافات:70،69)، فقوله (يُهْرَعُونَ) أي: يُسرعون. وقال عن الأنبياء: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)(الحديد: من الآية27)، حيث لاحظت أن هناك فرقًا ما، قال -سبحانه وتعالى-: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا) ، مشيرًا إلى أن القفو فيه معنى الاتّباع الصالح، والبصيرة، والوعي، والاتّباع الرشيد المبني على عقل وحجة وفهم، والاتّباع الهادئ الناضج الذي فيه تراكم.
وأضاف فضيلته: بينما بالنسبة للكافرين والضالين قال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّهُمْ أَلْفَوْا آبَاءَهُمْ ضَالِّينَ * فَهُمْ عَلَى آثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ) (الصافات:70،69) مما يشير إلى أن هناك نوعًا من الإسراع والركض والعماية، فبمجرد أنهم كان لهم آباء أو أجداد حتى وإن كانوا ضالين، إلا أنهم يركضون وراءهم دون أن يفكروا أو يتأملوا أو يكون عندهم بصيرة وفرز ما بين النافع والضار والصالح وضده، فهذا فرق بين تأثير البيئة أو تأثير الآباء والأجداد إن كانوا صالحين أو غير صالحين.
وذكر الشيخ سلمان أن هناك أثرًا موقوف على عثمان -رضي الله عنه-،: "ما أسر عبد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه"، وهذا معنى رائع، يصلح أن يكون سيرة ودستورًا لنا، حيث يشير إلى أن الأشياء الباطنة الموجودة داخل قلب الإنسان وفي ضميره لها انعكاسات خارجية، فهو يريد أن يقول أنك "يمكنك أن تخدع بعض الناس كل الوقت لكن لا يمكن أن تخدع كل الناس كل الوقت".
وأضاف فضيلته أن هذا يؤكد أن الإنسان إذا كان في داخله صفاء، وحب الخير للناس، والسلامة، والنية الطيبة، فإن هذا سيظهر في فلتات لسانه حتى لو لم يتقصّد إظهار ذلك وعلى صفحات وجهه، ولذلك فإنهم يقولون -أحيانًا- في السياسة أن ما يسمى بالكلمات التي هي أخطاء أو فلتة غير مقصودة من رئيس ربما تعبر عن السياسة -أحيانًا- أكثر مما يعبر خطاب مكتوب ومدروس، لأن الخطاب المدروس ربما يكون مقصودًا فيه إظهار شيء آخر، لكن هذه الفلتات تعبر عن المكنون وتعبر عن اللاوعي، ولكن من الخطأ الاعتقاد بأن الناس دائمًا سيكونون في مقام الخداع أو التمثيل، ولكن الذي في باطن قلوبهم سوف يظهر على ملامح الوجوه وعلى فلتات اللسان.