أثر البيئة
وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن الشارع بوصفه بيئة تربوية معينة يمكن أن يكون له أثر مخلد على الإنسان لا يستطيع أن ينفك عنه -أحيانًا-، قال الشيخ سلمان: إننا إذا نظرنا إلى البيئة، فإننا سنجد أنه حتى البيئة الجغرافية، أي: المناخ، أو الحرارة، أو الجفاف، أو بيئة الصحراء، لها تأثير ضخم على الإنسان، حيث يعبرون عنها أحيانًا بالبيئة القاسية، مشيرًا إلى أنه وإن كان في هذا التعبير تحفظ، لكن البيئة القاسية ربما تجعل الإنسان أقل عاطفة، إلا أنها -أحيانًا- ربما تجعله أكثر إبداعًا، لأنه يشعر بالتحديات، فربما يبدع أو يبتكر أشياء كثيرة.
وأضاف فضيلته أن هذه البيئة ربما تكون قاسية وكريمة في الوقت ذاته، وعلى سبيل المثال، فإن البيئة ربما تكون قاسية وتجف فيها العاطفة نوعًا ما، ولكنها في نفس الوقت بيئة معطاءة، فلا يحتاج الإنسان إلى أن يبحث عن الرزق، حيث يجد أن ألوان الرزق موجودة من حوله، من النفط أو الخيرات.
بيئة الإبداع
وأوضح الدكتور العودة أن قدرة الإنسان على الإبداع ربما في البيئة القاسية، وذلك لأن بعض الآباء يكون عندهم قسوة في التربية وتعوّد الابن على الكذب وعدم الثقة بالنفس، وكذلك الأمر إذا كانت البيئة السياسية فيها نوع من الشدة أو من القسوة التي تجعل الإنسان لا يعبر عن نفسه، مشيرًا إلى أن هذا فرق -أحيانًا- ما بين العالم الغربي والعالم الثالث، لافتًا إلى أن البيئة السياسية والاجتماعية والداخلية والخارجية فيها تراكم، ولذلك فنحن لا نستطيع أن نقول إنها بيئة سياسية، وأن المسئولية هي مسؤولية الحاكم فقط.
وتابع فضيلته أن توظيف الحاكم أو الرئيس لكل الشعراء والمبدعين والرسامين والنحاتين والتجار من أجل الحديث عنه، يؤثر تأثيرًا سلبيًا في عدم تعبير الناس عن أنفسهم بشكل صحيح، بينما إذا كانت البيئة أيًا كانت سياسية أو اجتماعية تشجع الإنسان على أن يعبر عن نفسه وأن يتحدث عن انطباعاته بعيدًا عن النفاق، والتزلف، وبعيدًا عن أن يكون الإنسان مزدوجًا، وعنده وجهان؛ وجه يتحدث به أمام الناس والوجه الآخر يعبر به عن نفسه أو في مجالسه الخاصة، فإنها في هذه الحالة سوف تكون بيئة للإبداع.
نجاح حقيقي
وذكر الشيخ سلمان أن الإنسان نفسه مؤثر في البيئة ومتأثر بها، وعلى سبيل المثال، فإن الإنسان نشأ عادة عند الأنهار ومساقط المياه، وهذه مصادر الحضارات في العالم كله، كما تجدها في العراق واليمن، وفي أماكن شتى من العالم، لكن هذا الإنسان، وهو إنسان واحد، استطاع ـ هذا جانب يُذكر بقدر من الثناء ـ أن يعيش في الصحراء، والجبال، وفي أطراف الأرض، وفي المناطق شديدة البرودة، بل في مناطق تصل إلى الدرجة الجليدية، حيث استطاع الإنسان أن يتكيف مع كل هذه الأشياء، لافتًا إلى أن تكيف الإنسان مع البيئات المختلفة هو شيء إيجابي.
ولفت فضيلته إلى أن النجاح الحقيقي هو ذلك النجاح الذي يستطيع الإنسان أن يُحقق فيه ما يريد في كل الظروف، وليس فقط في ظرف خاص، حتى لو تغيرت عليه الظروف فإن الإنسان ربما تكون لديه القدرة على أن يحقق النجاح، وبالتالي يدرك الإنسان أن نجاحه ليس من عنده هو فقط، ولكن البيئة والظروف التي حوله لها تأثير في النجاح.
تأثير.. وتأثر
وأردف الدكتور العودة: لقد قال الله -سبحانه وتعالى- عن قارون: (قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي)(القصص: من الآية78)، حيث نسب النجاح إلى نفسه، مشيرًا إلى أنه على الإنسان ألا يشعر بأن النجاح الذي يحققه من عمله هو فقط، وأن يدرك أن من حوله من والدين وأهل وزوجة وأولاد وأصدقاء بل حتى من خصوم، ساعدوه على تحقيق النجاح.
وأكد فضيلته أن الإنسان يؤثر في البيئة ويتأثر بها من حوله، سواء في مشاعره، أو في أساطيره التي يتناقلها الناس، والتحديات، والإبداع، والمشاعر، بل حتى في عادات البيئة أو الأرض، حيث ربما يتعوّد الإنسان على أن يكون زارعًا أو صيادًا أو راعيًا أو صانعًا، فالعادات تختلف بين هذه المجتمعات بعضها وبعض، بل إن الإنسان يتأثر من حيث شكل الجسم وقوته البنية وطريقة اللفظ بالكلام، وغيرها أشياء كثيرة جدًا يتأثر فيها الإنسان بالبيئة من حوله.
أعمق الناس أثرًا
وتعقيبًا على مداخلة تقول: إن أعمق الناس أثرًا هو من يستطيع أن يؤثر في بيئات مغلقة، أصبحت التراكمات فيها، ولها فعل الزمن، قال الشيخ سلمان: إن الناس أحيانًا إذا نجحوا ينسبون النجاح لأنفسهم، وإذا فشلوا نسبوا فشلهم إلى البيئة، مشيرًا إلى أن هذا من طبيعة الإنسان، لأنه لا يريد أن يواجه نفسه، لافتًا إلى أن هناك فرقًا بين الإنسان الواعي والإنسان المتخلف.
وأضاف فضيلته أن الإنسان الواعي ربما عنده مقاييس صحيحة للنجاح والفشل، ويدري أن النجاح والفشل ليس شيئًا دائمًا، وعلى سبيل المثال، فإن الذي نجح في حفر قناة السويس فشل في حفر قناة بنما، ولذلك ينبغي أن ندرك أن هناك معايير صحيحة للفشل والنجاح، وألا نعتمد سياسة الهروب من مواجهة التبعات.
وأوضح الدكتور العودة أن هناك أشخاصًا قد يكونون أساتذة جامعات أو أطباء أو تجارًا كبارًا، حيث تجد أن الواحد منهم إذا نجح تحدث بكثير من الإطراء لذاته، وتكلم عن سيرته الذاتية بحبور ضخم، وكأنه يريد أن يقول: إن النجاح راجع له هو ذاته، فيتكلم عن الصبر الذي صبره، وتضحياته، وإصراره، والصعوبات التي واجهها؛ ولذلك يكون حريصًا على أن يذكر بداياته، وكيف أنها كانت بدايات ضعيفة جدًا، وأن النهاية كانت ضخمة جدًا، حتى يبين الفارق الكبير ما بين البداية المحرقة والنهاية المشرقة.
وأشار فضيلته إلى أنه يكون للإنسان فضل إذا كان كذلك، ولكن البيئة من حوله ينبغي أن يكون لها أثر في هذا النجاح، حتى لو كان أثرًا عكسيًا، فالبيئة هي التي تصنع التحدي في بعض الأحيان، وعلى سبيل المثال، فإن الابن الذي نشأ في بيت والده مدمن مخدرات وتحول هذا الابن إلى مهندس ناجح، ستجده يقول إنه شعر بمسؤوليته في البيت عن الأم والبنات والأسرة، ولذلك فإن هذا التحدي حفزه إلى أن ينجح في عمله، مما يشير إلى أن البيئة في كثير من الأحيان تكون محفزة ودافعة للنجاح.
وأردف الشيخ سلمان أنه ليس من العدل أن نتحدث دائمًا عن البيئة بقدر من العيب أو الازدراء أو التنقص أو أن البيئة ليس فيها فائدة وأمل، مشيرًا إلى أننا لو نظرنا إلى تجارب العالم في الهند أو الصين أو فنلندا أو غيرها، وقارنّا حال التخلف بحال التقدم لوجدنا أن هناك قدرًا كبيرًا من التحدي والأمل.
وتابع فضيلته أن الإنسان ربما إذا قرأ حال التخلف الذي كانت عليه هذه المجتمعات ربما ظن أنه لا أمل في النجاح، ولكن بقدرة الله -سبحانه وتعالى- ثم بجهود رجالها ومخلصيها وإصرارهم حققت هذه المجتمعات قدرًا من التفوق.
وراثي.. وبيئي
وفيما يتعلق بأن هناك من يرى أنه من التوازن أن نستطيع توصيف البيئة بما لها وما عليها، فلا نسلبها منجزاتها، ولا نتجاوز عن الإشكالات الموجودة في بيئة الشارع والبيئة الاجتماعية، قال الشيخ سلمان: إن البيئة الاجتماعية لها أثر ضخم جدًا على الإنسان من دون شك، فهي تصنع الكثير من التأثيرات، مشيرًا إلى أن العلماء يقولون: إن الإنسان يتأثر بشيئين:
1 ـ تأثير وراثي: أو ما يسمونه بالجانب البيولوجي أو الجينوم الذي ورثه الإنسان، سواء فيما يتعلق بالأشياء الجسدية، مثل: حدقة العين أو لون الجلد أو لون الشعر وغيرها من الأشياء الكثيرة الموروثة، وهذا قدر متفق عليه، أو قدر من الأشياء الحسية والمعنوية، مثل: طريقة الكلام، أو بعض الجوانب الفطرية المعنوية التي هي موروثة، حيث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلاَّ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ».
2 ـ تأثير بيئي: سواء تأثير المجتمع أو تأثير الأسرة، خصوصًا في السنوات الأولى، أو تأثير المدرسة، أو تأثير الشارع والأصدقاء، وهذا أيضًا من المتفق عليه عند علماء النفس والاجتماع والتربية، لكن الشيء الغريب هو أن هؤلاء العلماء يقولون: إنه من الصعب الفصل بين تأثير الوراثة والجينات وتأثير البيئة أو تأثير المجتمع، كما أنهم يعتبرون أن الفصل بين الاثنين يعد نوعًا من التزييف، وأنه لا يمكن الفصل لأن هناك تداخلًا شديدًا جدًا بين هذه الأشياء، كما أنهم لا يعرفون على وجه الدقة والتحديد أيها أكثر تأثيرًا.